الهوية السياسية في السعودية- تحولات وتحديات في عالم متغير

المؤلف: ثامر بن سعران السبيعي08.21.2025
الهوية السياسية في السعودية- تحولات وتحديات في عالم متغير

في عصر يشهد تحولات متسارعة على الأصعدة الاجتماعية والسياسية والثقافية، لم يعد الحديث عن "الهوية" ترفاً فكرياً أو قضية نظرية فحسب، بل أصبح عنصراً جوهرياً للتوتر والتماسك، وأداة محورية للتأطير السياسي في الوقت نفسه. لم يعد بالإمكان اختزال مفهوم الهوية في بُعد عرقي أو ديني أو لغوي ضيق، بل أصبحت الهوية السياسية في عالمنا المعاصر تتشكل عبر مستويات متداخلة ومعقدة، ويتم توظيفها ضمن سرديات متباينة بين أولئك الذين يسعون إلى صياغة المستقبل، ومن يحاولون حصره في أغلال الماضي. وفي هذا السياق الحافل بالتحديات، تأتي منهجية "Hyperpolitics" كمبادرة رائدة تسعى إلى فهم المفاهيم السياسية من خلال "مصفوفات تحليلية" مبتكرة، تُظهر كيف يتقاطع كل مفهوم مع المفاهيم الأخرى، وتزودنا بأدوات قيمة لتفكيك المعاني وإعادة بنائها بطريقة منهجية ومنظمة. ويُعد مفهوم الهوية من بين المفاهيم الأكثر استحقاقاً للاستفادة من هذا النهج، وذلك نظراً لطبيعته الديناميكية والمتغيرة، وتركيبته المعقدة والمتشابكة، ووظيفته المتعددة الأوجه داخل النظام السياسي والاجتماعي. مصفوفة الهوية: بين الإلزام والاختيار، وبين الفرد والجماعة في إطار تحليل الهوية عبر منهجية "Hyperpolitics"، يُقترح فهمها من خلال محورين أساسيين: • أفقياً: من الهوية المفروضة قسراً (كالنوع، العِرق، المذهب) إلى الهوية المختارة طوعاً (كالانتماء السياسي أو الثقافي). • عمودياً: من الهوية الفردية الذاتية إلى الهوية الجمعية العامة. ينتج عن هذا التقاطع الحيوي أربعة أنماط تحليلية متميزة:
Imposed (مفروضة)Chosen (مختارة)
Individual (فردية)هوية مفروضة على الفرد (الجنس، المذهب، الأصل والنسب)هوية يختارها الفرد (كالمهنة، أو الانتماء الفكري والثقافي)
Collective (جمعية)هوية قومية/ تاريخية مُتوارثة عبر الأجيالهوية وطنية حديثة قائمة على التوافق والتراضي والمؤسسات الراسخة.
هذا التصنيف المنهجي يوضح لنا بجلاء أن الهوية ليست قالباً جامداً وثابتاً، بل هي عملية إنتاج اجتماعي وسياسي حيوية ومتجددة، تتفاوت بين من تُفرض عليه هويته فرضاً، وبين من يتمتع بحق اختيار هويته بإرادته الحرة، وبين من يساهم في إنتاجها ضمن جماعة منغلقة على ذاتها، أو داخل مشروع وطني واسع الأفق. الهوية السعودية.. من التوحيد إلى التعدد المتماسك في السياق السعودي على وجه الخصوص، تُعتبر الهوية الوطنية من أبرز المجالات التي تخضع لعملية إعادة تشكيل شاملة ضمن رؤية 2030 الطموحة. فبينما ارتكزت الهوية السعودية تاريخياً على دعائم دينية وقبلية ومناطقية، تسعى المملكة اليوم جاهدة إلى بناء هوية وطنية جامعة شاملة، ترتكز على: • الإسلام كمرجعية روحية سامية. • الانتماء للوطن كوحدة سياسية متكاملة. • الثقافة المتنوعة الغنية كمصدر قوة ناعمة مؤثرة. • الولاء للدولة كمؤسسة حامية للتنمية المستدامة والاستقرار. إن الانتقال من هوية موروثة إلى هوية مختارة وواعية ليس أمراً هيناً أو يسيراً، بل هو مشروع بعيد المدى، يتطلب سياسات ثقافية رشيدة، ومناهج تعليمية متطورة، وسرديات إعلامية مؤثرة، تزرع في نفوس المواطنين شعوراً عميقاً بالانتماء إلى وطن متجدد، وليس مجرد انتماء إلى ماضٍ متوارث. مفاهيم متقاطعة مع الهوية في "Hyperpolitics" لا يمكن فهم الهوية بمعزل عن غيرها، بل يجب ربطها بمفاهيم متجاورة ومتكاملة، من بينها: • Nation (الأمة): كإطار واسع شامل للهويات الفرعية المتنوعة. • Citizenship (المواطنة): حيث تحدد الهوية الحقوق والواجبات السياسية للأفراد. • Culture (الثقافة): باعتبارها الحامل الرمزي للهوية والقيم والمعتقدات. • Minority/Majority (أقلية/أغلبية): حيث تتحول الهوية إلى أداة صراع أو اعتراف وتقدير. في الختام: من سؤال "من أنا؟" إلى "كيف أكون؟" إن التفكير في المفاهيم -كما تقترحه منهجية "Hyperpolitics"- يحوّل سؤال الهوية من كونه سؤالاً وجودياً فلسفياً ("من أنا؟") إلى كونه سؤالاً سياسياً عملياً ("كيف أكون فاعلاً في هذا المجتمع؟"). إنه تحول جوهري من تعريف الهوية كمصير محتوم، إلى فهمها كخيار واعٍ، وكعملية مستمرة في التكوين وإعادة التكوين والتجديد. وفي زمن تشتد فيه حدة قضايا الهجرة والمواطنة والتعددية الثقافية والانتماء الوطني، يصبح تحليل الهوية ضرورة سياسية وتربوية ملحة، وليس مجرد مادة أكاديمية نظرية؛ فالهوية ليست مجرد ما نقوله عن أنفسنا، بل هي ما نقبله ونتفق عليه لنكونه سوياً كمجتمع واحد متكامل.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة